الجمعة، 5 يوليو 2019

اللغة نظام معقد Language is a complex system


في قصة سابقة، رأينا أن الطفلين الذين ربيا صغيرين مع الحرص على عدم تعلمهما أي شيء، لم يستطيعا اكتساب اللغة إلا ادعاء "كلمة" معينة، وهو ما لا يصح. معنى ذلك أن اللغة من العلوم المكتسبة وليست فطرية في الإنسان، ولا يمكن تعلمها إلا بإحدى طرق التعلم والتي منها طول الإستعمال والاحتكاك بالمجتمع والاضطرار إلى استعمالها بشكل مستمر...
وقد حدد العلماء بشكل وراثي أن كل إنسان قابل لأن يكتسب لغة معينة عن طريق "التعلم".

اللغة نظام إنتاجي
اللغة نظام "توليدي" و"منتج"، ومعناه أنه يمكن أن استخراج وتوليد عدد غير محدد من العبارات فقط، من عدد محدد من  الكلمات أو 'المورفيمات" وهي أصغر الوحدات المكونة للمعنى.
إن ارتباط الصوت بـالمعنى ليس له قياس أو قاعدة مطردة يمكن التزامها، لكنه شيء يأتي بأسباب مختلفة غير محددة بدقة.
فلو نطقنا كلمة "بغل" فإن المعنى ينصرف إلى حيوان معين يتصوره السامع، لكن هذا المعنى اكتسبه مسبقا بطريقة ما، وليس في أحرف "ب غ ل " ما يوحي بهذا المعنى.
لهذا لو سمعت صوتا لم يسبق لك أن تصورت معناه، فإنك - غالبا - سوف تلجأ إلى القواميس الشارحة لهذه الكلمة التي سمعتها.
وقد حددت الإحصائيات أن عدد الكلمات أو المفردات التي يكتسبها الإنسان البالغ في الغالب تترواح بين 50.000 إلى 100.000 كلمة أو مفردة.
هذا ما يتعلق بـالكلمات؛ أما الجمل فالأمر مختلف، لأننا لا نسعى لاكتساب الجمل كما نسعى للكلمات، لأن الجمل عبارة عن مجموع الكلمات، ومعرفة معنى الجملة يقتضي معرفة معنى كل كلمة من الكلمات المكونة للجملة.
ومعرفة معاني الكلمات كافي لمعرفة معنى الجملة إذا رصت هذه الكلمات على نظام معين. مثلا: "غرد العصفور في الصباح الباكر"
فرص الكلمات في الجملة السابقة على هذا النوع يعطي معنى يتبادر إلى النفس بهذا الترتيب.
فإذا تم تغيير كلمة عن موضعها أصبح المعنى مختلفا تماما كأن تقول:
"غرد الباكر في العصفور الصباح"
فأنت تعلم معاني كل كلمة على حدة، وتعلم معناها بهذا النظام، وتعلم أن هذا المعنى يختلف عن المعنى السابق في الجملة السابقة.
فترتيب الكلمات أمر مقصود مدبر.
قاعدة الجملة التركيبية
القواعد التي تحكم الجمل والتي تتعلق بالتركيب وتساعد من فهم معنى الجملة تسمى بـالقواعد النحوية وهي شيء معقد، وليس كما قد يتبادر، لأنها بدورها ليس لها قياس مطرد كلها، لكنها تستخرج انطلاقا من مجموع الكلام أو استقراء الاستعمال لهذه القاعدة أو تلك.
فلنأخذ مثلا الضمير "هو" فإن هذا الضمير يحل محل الإسم الذي ذكر قبله تفاديا للتكرار، أو لغرض آخر.
فهذا معناه أنه كلما وجدنا الضمير "هو" فيكون يحل محل اسم سابق.
فلو سألنا: من سيقرأ ؟
فلتكن الإجابات هي:
أ- قال محمدٌ لعلِيِّ إنه (هو) من سيقرأ أولا.
ب- قال (هو) لمحمد إن أسامة هو الذي سيقرأ أولا.
ج- الرجل الذي كان هناك رآه (هو) في الشارع مع محمد.
في العبارة الأولى: (هو) يمكن أن تعود على "محمد" أو على "علي" أو على شخص آخر غير مذكور في الجملة.
في العبارة الثانية: (هو) لا يمكن أن تعود على "محمد" ولا على "أسامة" ولكن على "علي" أو على شخص آخر لم يذكر.
يمكن من خلال هذين المثالين استخلاص قاعدة: إذا أردنا معرفة على ماذا يعود الضمير المنفصل (هو) ننظر إلى ما يطابقه من الوصف، هل هو مذكر مفرد، ويكون سبق ذكره.
ولكن إذا نظرنا في الجملة (ج) نجد أن هذه القاعدة غير صحيحة، لأن الضمير المنفصل (هو) لا يمكن أن تعود على "الرجل" الذي ذكر في بداية الجملة، ولكن يمكن أن يعود على "محمد".
لهذا وضع علماء اللغة قواعد أكثر تفصيلا وهي:
- "أ" يعود على "ب" إذا كان الضمير الأول الذي يحكم "أ" يشتمل على "ب"
- لا يمكن لضمير أن يعود على "عائد الضمير".
وهذا ما يفسر تعقيد النظام التركيبي للجمل، وأنه ليس له قياس دقيق مطرد، مما يعني أن هذا النظام غير قياسي يمكن معرفته من دون الرجوع إلى الاستعمالات اللغوية.
لكن هل يمكن لطفل في عمر الأربع سنوات أن يتعلم مثل هذه القواعد المعقدة ؟ وما هي الطرق التي يمكن أن نجرب بها عقل الطفل إن كان يستطيع أن يستوعب مثل هذه القواعد أم لا ؟
هذا ما نراه في المقال الآتي...

0 comments

إرسال تعليق