الجمعة، 5 يوليو 2019

القدرة على اكتساب اللغة


إن تعلم طفل صغير ذو الأربع سنوات مثلا للقواعد التركيبية للغة الأم، لا يتم عبر حجرات الدرس أو عن طريق الوالدين، فعندما يدرس الأولاد قواعد النحو في المدرسة، فهو لا يدرسون معاني الضمائر وتفسيرها، بل يدرسون القواعد المرتبطة بالكتابة، والسبب أن فهم الضمائر يكون ضمنيا  وبديهيا عند الأطفال.
لقد قام مجموعة من الباحثين بوضع مناهج تجريبية تمكن من اختبار مدى تعلم الطفل ذو 3 أو 4 سنوات لهذه القواعد.
فبالنسبة لحالة الضمير المنفصل السابق فلا يمكن مثلا أن نطرح الأمثلة السابقة - في الموضوع السابق - على الأطفال الصغار، لكن يمكن الاستعاضة بأسئلة من قبيل:
- أكل (هو) الحلوى بينما كان دبدوب في المطبخ.
- عندما أكل (هو) الحلوى كان دبدوب في المطبخ.
فمن خلال هذه العناصر والشخصيات يمكن اختبار مدى استيعاب الطفل لقاعدة "الضمير العائد" من عدمه، ويمكن استنتاج مدى قدرة الطفل إذا كان يفهم ما يطرح عليه، ونستنتج إستيعابه لهذه القاعدة التركيبية.
فمن خلال تجارب سابقة ظهر أن كثيرا من الأطفال استطاعوا استيعاب القاعدة مثل البالغين تماما مع أن القاعدة يكتنفها نوع من التعقيد.
إن النتائج التي خرج بها الباحثون في هذا المجال تؤكد أن بعض خصائص اللغة متعلق بالفطرة مبثوث في كل نفس، غير متعلق بالتعلم والاكتساب، ولهذا يكتسبها الأطفال بسهولة بالغة لأنهم لا يتعلمونها على حدة، والبرهان هو "ضعف الحافز" الذي وضعه العالم اللغوي نعوم تشومسكي في الخمسينات.
إضافة إلى هذا، تشير أبحاث أخرى إلى أن القدرة على تعلم لغة بشرية أمر فطري.

اللغة خاصة بالإنسان

في أي زمان كان الإنسان وفي أي مكان، لابد أن له لغة محددة، ولم يحدث أن وُجدت أمة ليست لها لغة تتكلم بها.
هذا الأمر يختص بالإنسان، فلا يوجد مخلوق آخر عنده لغة "توليدية" للتواصل. نعم الحيوانات تبعا لنوعها تتواصل فيما بينها بشكل أكثر تعقيدا، لكن لا يوجد نظام يماثل اللغة التي يمكن أن تكون عددا لا نهائيا من الجمل انطلاقا من عدد محدد من الكلمات.
في أعوام خلت، قام العلماء بمحالات عديدة من أجل تعليم الحيوان لغة البشر، لكن كل المحاولات باءت بالفشل.
من أشهر هذه المحاولات ذينك الزوجين اللذان حاولا تبني قرد شامبنزي مع طفلهما وتربيته وتعليمه اللغة؛ وبعد عامين اضطرا إلى ترك التجربة بعد أن تعلم الطفل الكلام، ولم يتعلم القرد، بل بالمقابل أصبح القرد بارعا في تسلق الأشجار، وهو شيء لم يتعلمه من قبل.
كما سعى الباحثون إلى تعليم الشامبنزي لغة الإشارة، التي هي نفسها اللغة المنطوقة مترجمة إلى إشارات، لكن جميع جساعيهم باءت بالفشل.
نعم تستطيع الشامبنزي اكتساب مفردات إلا أنها لا يمكن أن تستعملها ضمن جمل لها معان كما يفعل الإنسان.

هل تعلُّم اللغة له علاقة بالذكاء ؟

يرى الباحثون أن العلاقة بين تعلم لغة ما، و"الذكاء" غير صحيحة، وأن القصور الذي قد يحدث بصفة خاصة لدى الأطفال يكون سببه مشكلات وصعوبات في التخاطب اللغوي، وإن كان يصاحبه قدرات عقلية طبيعية. وقد يكون عكس هذا الأمر، أي: وجود من كان مصابا ببعض القصور العقلي، لكنه قادر على تعلم اللغة بشكل سليم (كما هو الحال بالنسبة لمرضى متلازمة ويليامز)
فالإنسان إذن ليس عنده قدرة خاصة على تعلم اللغة في الأصل، ومن تم فتعلم القواعد التركيبية يتم بشكل منطقي، لهذا فهم الضمائر المنفصلة يتم عن طريق ملاحظة أن "الضمير العائد"، يأتي بصفة عامة قبل الضمير، وليس بعده (كما مر في الأمثلة السابقة) ثم بعد ذلك نفتش الأمثلة الأخرى لنرى ما الذي يميزها عن بعضها البعض.، وبالطبع، فإن المتميزون في التفكير يستطيعون تعلم أي شيء آخر، وليس فقط اللغة.
إضافة إلى ما سبق يرى الباحثون أن القصور أو بعضه في اللغة ينتقل بشكل وراثي عبر الأجيال السابقة إلى اللاحقة؛ فإذا كان الآباء يعانون قصورا ما، فهناك احتمال أن ينتقل إلى الأولاد.

0 comments

إرسال تعليق