الجمعة، 5 يوليو 2019

هل اللغة فطرية أم اصطلاحية أم سماعية وتوقيفية ؟ (تجربة قديمة جدا)


من قديم الزمان، كان أصل اللغات ومنشؤها من الموضوعات التي شغلت الناس ومازالت، ا
وقد انقسموا إلى قسمين:
1- من يرى أنها توقيف ووحي، منهم طوائف من علماء المسلمين كابن فارس في "فقه اللغة"(1) واحتج من يرى هذا القول بالقرآن الكريم في قوله تعالى: "وعلم آدم الآسماء كلها"
وهذا القول أيضا هو اتجاه الغرب المسيحي، وله أصل عند الإغريق، وتبناه من المعاصرين الغربيين دي بونالد Louis de Bonald (ت 1840م)(2)
2- من يرى أنها اصطلاحية، هم جمهور العلماء والمفكرين والباحثين كابن جني من المسلمين وجون كاك روسو من الغربيين.. (3)
ويقول الشيخ أحمد الإسكندري والشيخ مصطفى عناني في كتابيهما "الوسيط في الأدب العربي وتاريخه"(4):
"المعروف بشهادة العقل والاستقراء، وبتتبع نطق الأطفال والأمم المتوحشة والراقية أن لغات العالم (على كثرتها التي لم تتناه ولن تتناهى) ترجع إلى أمهات أصلية تولدت وتتولد عنها، وأن كل واحدة من هذه الأمهات هي المنشأ الأولى لفروعها، وأنها كلها تنشأ من جدة عليا مجهولة هي لغة الإنسان الأول" اهـ.
وقد كان شغل هذا الأمر الإنسان من قديم الزمان، فحاول اكتشاف هل اللغة يمكن أن تكون فطرية في الانسان. ومن هذا الباب ما روى هيرودوت (ص 133) في القرن الخامس قبل الميلاد أن الملك المصري بمستياك لما أراد أن يثبت هل القوم المصريين هم الأعرق أم قوم الفريجيين قام هذا الملك "فالتقط طفلين صغيرين من أسرة من عامة الناس وسلمهما إلى أحد الراعاة ليتولى رعايتهما، بين قطيعه، وأمره بوضعهما في كوخ منعزل بعيدا عن الناس، وألا ينطق بكلمة واحدة أمامهما. وأوعز إليه أن يأتي بمعيزة بين الحين والآخر ليطمئن إلى أنهما ينالان نصيبهما من الحليب، والاطمئنان إلى راحتهما في كل أمر آخر. وقد أراد بسميتاك من ذلك أن يعرف أول كلمة ينطق بهما هذان الطفلان، حين يبلغان من العمر ما لا يكفي معه لغو الأطفال. وكان أن أفلحت خطته، فبعد أن مضى عليهما عامان على هذه الحال، صادف أن جاءهما هذا الراعي بما سمع من طق الطفلين، بادئ الأمر، ولم يذكر لأحد؛ ولكنه لما وجدهما يكرران الكلمة كلما زارهما عرض الأمر لمولاه. فأمر بسميتاك بإحضار الولدين ليسمع منهما كلمة بيكوس، فلما كان ذلك أمر بالبحث لمعرفة اللغة التي تنتمي إليها تلك العبارة. وبعد بحث واستقصاء عرف أن الكلمة تعني الخبز بلغة الفريجين، وبناء على هذه الواقعة تنازل المصريون عن دعواهم وسلموا بقدم الفريجيين"
وفي رواية أخرى أن الملك أمر بـ"نساء قطع ..ألسنتهن وأوكل إليهن أمر تربية الطفلين" اهـ.(5)
وإن كانت هذه الروايات محل شك وإدخال أو أظهار أفضلية قوم على آخر، فإن ما يهمنا نحن هنا، هو اهتمام الناس بالبحث عن اللغة الأصلية، والقيام بتجارب مبكرة في الكشف عن هذا الأمر.
نعم، اليوم لم يعد علماء اللسانيات يقومون بمثل هذه التجارب، على الأقل بشكل علني، ربما لأسباب حقوقية أو نحوها، لكن مقابل ذلك ينكبون على معرفة كيف يفكر الأطفال الصغار منذ ولادتهم ؟ وما الذي يدور بخلدهم ؟ وكيف تتم عملية اكتساب اللغة وتعلمها ؟

----------------هوامش ----------------
(1): "فقه اللغة" لابن فارس (ص 77 وما بعدها)
(2): "الوجيز في فقه اللغة" (1/20)
(3): راجع المصادر "فقه اللغة" د.عبد الراجي (ص 91 وما بعده)، "علم اللغة" علي عبد الكافي (ص95 وما بعده)"اللغة" جوزيف فندريس (29-42)
(4): "الوسيط في الأدب العربي وتاريخه"أحمد الإسكندري والشيخ مصطفى عناني
(5): "تاريخ هيرودوت" (ص 133) [ترجمة عبد الإله الملاح، مراجعة: أحمد السقاف، وحمد بن صراي - أبو ظبي، المجمع الثقافي - 142-2001]

0 comments

إرسال تعليق