غرائب الضحراء
يكاد لون الضفدع الأقرن يشبه لون الأرض |
في ساعات النهار تبدو الصحراء جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية مهجورة تماما؛ فالشمس تصهر الأرض حتى لتصل حرارتها إلى درجة 65.55 درجة سلسوس، فتحاول المخلوقات الكثيرة التي تعيش فيها شيئا من الابتراد، وذلك بالاختبار في الأمكنة الظليلة الباردة. ولا يستطيع الصبر على قيظها المريع إجمالا إلا الغطايا "الحالي". والضفدع الأقرن العجيب، فأحب الأشياء إليها ما ارتفعت حرارته. وهذه المخلوقات المفلحطة المضحكة الضئيلة ليست ضفادع، بل هي عظايا "سحالي" لا تؤذي البشر إطلاقا برغم شكلها الغريب وما يغطيها من نتوءات كالمسامير، وهي على أنواع كثيرة كلها متشابهة مع بعض التفاوت، ولا يعدو طولها عدة سنتيمترات.
وتكاد الضفادع القرناء لا تأكل إلا الحشرات الحية تتلقفها وهي تجري ذات اليمين وذات الشمال في سرعة مذهلة. وهي تمشي بسرعة أيضا. ولونها يشبه لون أرض الصحراء تماما حتى لتصعب رؤيتها. وإذا اقتربت من بقة اختطفتها بإطلاق لسان طرفه اللزج، وهو ما يفعله الضفدع الأصيل.
وبالرغم من أن هذه الوحوش الضئيلة تلف حول نفسها وكأن بها مسا من الرعب فهي أليفة تماما. وهي تخاف بالطبع إذا عوملت بخشونة وعندئذ تراها وقد تخشبت وتظاهرت بالموت. وتلجأ بعض الأنواع إلى نفخ نفسها بالهواء، ومن المحتمل أن يكون ذلك محاولة منها للإرهاب. والبعض الآخر يتمدد على الأرض ويتخشب.
وأحيانا ما يأخذ منها الخوف الشديد كل مأخذ فتضع عيناها سيلا من الدم الرفيع كالخيط ينبجس إلى نصف متر أو أكثر.
وتلائم حرارة الظهيرة المروعة الضفدع الأقرن ملاءمة كبيرة، حتى إن الجو إذا اعتل قليلا مع غروب الشمس اضطرت للنوم، وهذا لا يقتضيها وقتا طويلا؛ فهي أول كل شيء تثبت أنفها في الرمل وتحفر لها أخدودا صغيرا، وذلك بالاندفاع بجسمها إلى الأمام عدة سنتيمترات، ثم تنبطح وتثير الرمل في الهواء بواسطة ما على جبينها من أشواك. وتبدو في هذه الحالة كما لو كانت ترمي الرمل على ظهرها بمجارف صغيرة، وبهذا تدفن نفسها في برهة قصيرة، وأحيانا تترك جزءا من الرأس مكشوفا، وفي كلتا الحالتين تتعذر رؤيتها.
وتضع الضفادع الأصلية بيضا يفقس ويخرج منه أفرخ لها ذنيبات، ولكن الضفدع الأقرن لا يفعل هذا؛ فأنثاه تلد صغارها أحياء بدل فقسها من بيض. وتلد الأنثى الواحدة في المرة الواحدة أربعة وعشرين وليدا كلها صورة طبق الأصل من الأم في كل شيء، سواء أكان شوكا أم غير شوك، وإنما مع فارق واحد. وهو صغر الحجم إلى حد كبير.
ولعل الضفدع الأقرن خير مثل للمخلوق الذي أعد نفسه لبيئة خاصة جدا وشظفة وخشنة، فيموت إذا انتقل إلى مكان آخر يبدو لنا أنه يكفل حياة أرغد. إن الصحراء مليئة بتلك السحالي الغريبة.
وفي معظم الإقليم الذي يعيش فيه الضفدع الأقرن يوجد نوع من العظايا "السحالي" أكبر منها جسما وأبشع منظرا يسمى وحش الجيلا أو (بيلا)، وهو ثقيل وسمين الذيل وسام وطوله قدمان على الأكثر.
(Gila monster)وحش الجيلا، أوـ |
وجلده المسود والقرنفلي والأصفر تغطيه كله حبيبات تعرف بالدرنات، وهي تشبه الخرز في شكلها، ولهذا يضع العلماء وحش الجيلا في مرتبة السحالي ذات الحبيبات - وفي كثير من أنواع الحيوانات الأخرى توجد مثل هذه الحبيبات.
ووحوش الجيلا تكره أشعة الشمس الحارة بقدر ما تنعم بها الضفادع القرناء، ولهذا فهي تختبئ طيلة النهار تحت الصخور أو تحفر لها جحورا في بطن أرض الصحراء تراعي في صنعها أن يكون قاعها أعمق من السطح، وبهذا تصل درجة الحرارة فيها إلى 15 درجة حتى في الأيام القائظة. فإذا خيم الظلام وأصبح كل شيء في الصحراء باردا وملائما، خرج الجيلا وشرع في البحث عن الطعام في تريث ومثابرة، فيزحف ذات اليمين وذات اليسار منقبا في الجحور والشقوق عن أي شيء صالح له ليأكله. ولا يعرف الكثير عن أطعمته الخاصة.
وما من شك في أن بيض الطيور والحيوانات القارضة الصغيرة كفئران الصحراء تدخل في عداد تلك الأطعمة، كما أن هناك احتمالا كبيرا في أنها تلتهم حشرات كبيرة وعظايا وأفاعي صغيرة. وهي تقبض على فريستها كائنة ما كانت وذلك بالانقضاض عليها بفكيها القويين انقضاضا سريعا.
ومصدر السم في وحش الجيلا غدد كائنة في الفك الأسفل بين الشفتين والأسنان، وليس لأسنانه جذور مجوفة ينتقل بها السم إلى لحم غريمها كما تفعل الأفاعي الرقطاء وغيرها من الأفاعي السامة. فله طريقة يجعل بها السم يشيع في جسم عدوه ويأتي بالأثر المقصود، وهي أنه إذا أطبق بحنكه في عدو أكبر منه تمايل بجسمه الثقيل من جنب إلى آخر وبهذا يتسع الجرح، وفي الوقت نفسه يسيل السم من الغدد ويسري في أخاديد صغيرة عديدة في أسنانه فيصل من غير شك قليل من السم إلى الدورة الدموية، وهكذا يبدأ التسمم.
ووحوش الجيلا حقيرة في طباعها، كما هي حقيرة في منظرها، فهي إذا أوذيت صدر منها فحيح وعضت في الهواء كما يفعل الكلب الغاضب.
وإذا أغضبها أحد وقع في شر مستطير.
وتبيض هذه الوحوش الزحافة المخيفة اثنتي عشرة بيضة تقريبا في عش تحت الأرض في عمق عدة سنتيمترات ومغطى بالرمل أو التراب بعناية لإخفائه، ولا يلبث البيض أن يفقس بعد قليل بفعل الحرارة والرطوبة، وتجد صغار الجيلا طريقها إلى سطح العش، وهو النظام الذي يتبعه كثير من الزواحف كالسلحفاة المائية الخطافة.
فإذا قضت الضرورة على الجيلا وهي في صحراء مجدبة أن تعيش عدة أشهر بلا طعام، تحايلت على البقاء حيلة عجيبة؛ وذلك بامتصاص الدهن الذي اختزن في ذيلها إبان وفرة الطعام. وهذا هو السر في أنه يبدو سميكا ثقيلا معظم أوقات السنة، وهزيلا رفيعا بعد فترة إمحال طويلة حتى ليصعب عليك أن تدرك وجود ذيل له.
0 comments
إرسال تعليق