كيف كان عليه الحال قبل ظهور النظرية النسبية العامة ؟!
إذا استرجعنا مفهوم الواقع الفيزيائي في نهاية القرن التاسع عشر؛ نجد أن هذا الواقع يخضع لأربعة تصنيفات أساسية للمعاني الكلية (categories) وكل منهما منفصل عن الآخر:
1- المكان.
2- الزمن.
3- القوة.
4- المادة.
ويحدد المكان والزمن "نطاقات الوجود"؛
أي: الذي يحتوي الواع الفيزيائي.
ويوصف هذا "المحتوى" بأنه المادة في
حالة تطور تحت تأثير التفاعلات المعروفة باسم "القوى". وكان يُتَصوّر
المكان على أنه: ثلاثي الأبعاد، معطى بشكل سابق على التجربة، مزورد بهندسة
أقليدية، ويحدد مفهوم السكون المطلق.
وكان الزمن: وحيد الاتجاه، معطى مسبقا، مزودا
بهندسة أقليدية (مقياس المدد)، ويدرك كما لو كانت له نفس بنية الزمن النفسي، أي
يتكون من "حاضر آني"، ويتدفق باستمرار بين "ماض" لم يعد
موجودا، و"مستقبل" لم يوجد بعد. وكان يتم إدراك القوة على أنها ناتجة عن
تكوين بعض "المجالات" '(المجال الجانبي والمجال الكهرومغناطيسي)، بواسطة
المادة في كل المكان.. وكان الوصف النظري للمجال الكهرومغناطيسي (الذي يعود إلى
ماكسويل Maxwell) إنجازا رائعاً وحد مفاهيم المجال الكهربائي
والمجال المغناطيسي والضوء (موجة كهرومغناطيسية). وكان وصف مجال الجاذبية (الذي
يرجع إلى نيوتن Newton)
ولابلاس Laplace) أقل ثراء ويفترض (بطريقة غريبة) أن قوة
الجاذبية تنتشر بطريقة فورية (بسرعة لا نهائية).
وشهد وصف المادة تطورا
مستمرا مع نهاية القرن التاسع عشر: أدمجت فكرة أن الكتلة أو "كمية
المادة" ثابتة (لافوازيه Lavoisier) وأن المادة العادية تم إنتاجها من نحو 90 عنصراً كيميائيا بسيطا
(مندليف Mendeleiev): ورغم المقاومة العنيفة، أصبحت فكرة أن
المادة قابلة للتفكك في آخر الأمر إلى "ذرات" لا تنقسم مقنعة أكثر فأكثر
(بفضل الكيمياء، ولكن بشكل خاص بفضل أعمال بولتزمان Boltzmann في مجال
الديناميكا الحرارية الإحصائية).
وفي عام 1905 أتى آنشتاين
(بعد إنجازات مهمة للورنتز Lorentz وبوانكاريه Poincare) بأول ثورة تصورية تخص المقولات الأربع الأساسية في فيزياء القرن
التاسع عشر، من خلال نظرية النسبية الخاصة. ولقد وحدت هذه النظرية المقولتين
المنفصلتين عن المكان والزمان في مقولة جديدة: هي الزمكان.
والزمكان له أربعة أبعاد
موجودة بشكل مسبق، تعتمد على هندسة بوانكاريه – مينوكوفسكي Minkowski. وهو الذي
يعين نطاق "الوجود المتصل existence continuee" (أي: الوجود المدرك خلال كل فترة زمنية) للواقع. 'ولهندسته'
(وبشكل أكثر تحديدا" هندسة الزمن chrono_geometrie") بوانكاريه _ مينوكوفسكي زمكان ذو 4 أبعاد، ويتعين بتعميم
نظرية فيتاغورس Pythagore:
بالنسبة لمثلث قائم الزاوية كل أضلاعه "في المكان" (أو من "نوع
المكان") يكون مربع وتر المثلث هو مجموع مربعي ضلعي الزاوية القائمة، لكن
بالنسبة لمثلث قائم الزاوية يكون أحد ضلعي الزاوية القائمة فيه ممتدا في اتجاه
"في الزمن" (أو" من نوع الزمن") فإن مربع وتر المثلث هو الفرق
بين مربع ضلع من نوع المكان ومربع ضلع من نوع الزمن مقاسا "بوحدة الضوء".
مثال لذلك يجب قياس الفترة الزمنية لثانة ما
بالثانية الضوئية (299792458م) قبل تجميعها مع طول ضلع مكاني.
لاحظ أن الزمكان يعتبر من الناحية الأساسية
تعميماً "للرسومات البيانية للقطارات diagrammes de trains" التي تستخدم سابقا لحل مسائل التقاء قطارات، وهي تعبر
الطريق نفسه، في اتجاهات متعاكسة، وبسرعات مختلفة، بعد أن تكون قد غادرت محطات
مختلفة في توقيتات مختلفة. وفي مثل هذا الرسم البياني كان يتم تمثيل المكان (وحيد
الاتجاه) والذي يقيس طول الطريق كمحور أفقي (المحور س x) ويتم ضمه إلى محور رأسي (ص y) يمثل مرور الزمن. عندئذ يكون المستوى (س، ص) زمكان ثنائي الأبعاد
يسمح بتمثيل مسار انتقال كل قطار بواسطة خطوط متتالية. ويتم تمثيل القطار الساكي
في إحدى المحطات بخط رأسي، بينما يناظر القطار المتحرك خطا مائلا يعتمد ميله على
سرعة القطار. حينئذ تناظر "واقعة" التقاء قطارين (افترض أنهما على
طريقين متوازيين، متقاربين لكنهما متميزين !) تقاطع "خطين في الزمكان" (ويطلق عليهما عامة" خطى
الكون lignes d’univers") ويمثلان مسار حركة القطارين. وللانتقال من "الرسم
البياني للقطارات" هذا إلى الزمكان الذي افترضه انشتاين يكفي:
1- أن نضيف من جديد بعدين آخرين مكانيين (أفقيين).
2- أن نمحور التمايز بين الاتجاهات المكانية
والاتجاه الزمني (بطمس محاور الاسناد مع عدم الاحتفاظ إلا بخطوط الكون).
3- بتزويد كل زوج من نقاط _ وقائع points-evenements في الزمكان
بمفهوم "بعد intervalle"،
أي: طول (مربع يماثل تعميم نظرية فيتاغورس المألوفة، بالنسبة لمربع المسافة d بين نقطتين في المكان الاقليدي العادي (الذي يتعين بالإحداثيات الديكارتية المتعامدة) (x,y,z)
و (x+△x, y+△y, z+△z) إلى
كتابة الصيغة d2= 2(△x)+2(△y)+2(△z) فإن نظرية فيثاغورس المعممة تؤدي إلى كتابة "الحد"
(مربعا) s2 لتفصل بين واقعتين في زمكان
آنشتاين. ومربع الحد تبعا لبوانكريه-مينكوفسكي (المتعين بالإحداثيات اللورنتزية (t,z,y,x) و (x+△x , y+△y , z+△ , t+△t) يكتب على
هيئة:
s2=d2.c2(△t)2=(△x)2+(△y)2+(△z)2.c2(△t)2
s2=d2.c2(△t)2=(△x)2+(△y)2+(△z)2.c2(△t)2
ومفهوم
"البعد" هذا هو الذي يحدد "الهندسة الزمنية" (القياس الجامع
بين الفترات الزمنية والأطوال) للزمكان.
ولقد أتى زمكان
النسبية الخاصة بعدة انقلابات على التصنيف القديم للمعاني الكلية:
1- تم توحيد
المكان والزمن بنبوءة التصنيف الجديد للمعنى الكلي باسم الزمكان.
2- تم الطعن بشدة
في مصداقية وجود "الحاضر الآني" (الآن) باعتباره الحامل الوحيد لحقيقة
الكينونة، لأنه أصبح متعارضا مع البنية الهندسية للزمكان من حيث اختيار فئة من
"سلسلة أرقام tranches" أفقية تناظر "مرور
الزمن".
3- خضع التصنيف
القديم للمعاني الكلية الذي يفصل بين القوة والمادة لتوحيد جزئي من خلال معادلة
آنشتاين المجيدة (ط = ك س )² (E=Mc²) التي تطابق (بعامل رقمي
"س²" جاهز، حيث س تشير إلى سرعة الضوء في
الفراغ) بين الطاقة ط (التي تشترك بالطبع مع مفهوم قوة التفاعل) والكتلة ك (التي
تقيس "كمية" المادة). وسوف نتحدث عن "المادة_الطاقة" لتوضيح
هذا المفهوم الجديد الذي يوحد بين ك وط/س².
يتبع...
0 comments
إرسال تعليق