الخميس، 10 نوفمبر 2016

القباب

القباب

تعرف القباب في الهندسة المعمارية بأنها ملكة الأسقف، ليس فقط لأنها تضفي على المبنى جمالية وقوة، ولكنها تحسن أيضا تصميم المبنى مضيفة إليه حيزا داخليا واسعاً. ففي العصور القديمة كانت الأبنية مستطيلة أو مربعة الشكل ذات أسقف تستند إلى غابات من الأعمدة لمنعها من الإنهيار، ولكن هذه الأعمدة لم تسمح بأي اتساع فراغي فوقها.
فكرة القبة

من غير المعلوم متى تم بناء أول قبة. ولكن العديد من الحضارات القديمة المختلفة استخدمت عبر التاريخ مواد لبناء القبب كالطين، والحجر والخشب والآجر والخرسانة والمعدن والزجاج واللدائن. يدعم القبة عادة ذو شكل نصف دائري أو قدر مقلبو فوق المبنى. والعقود هي بنى مقوسة ليس لها زوايا أو أركان.
من الأقواس إلى القباب
يقال بأن بناء أول قبة فعلية قام به المهندسون الرومان أثناء اختبارهم لعمل الأقواس، حيث لف البناؤون القوس بشكل دائري واكتشفوا أنه قد صنع شكلا قويا ثلاثي الأبعاد عرف بالقبة المتحدة التراص، وقد استخدمت هذه الأشكال لاحقا في سقف الكنائس والمساجد.
القباب الثقيلة
القباب الثقيلة

كانت القباب الأولى في العصر الروماني قباب متحدة التراص. كما عرفت القباب المعمارية المصنوعة من الحجر كالبانثيون. ولكنها كانت ثقيلة إلى حد أن المهندسين إلى حفر أشكال دقيقة تعرف بالكوات الغائرة على طول الجدران للتخفيف من وزن البناء الضخم، كما حفروا منورا يدعى عين القبة oculus في سقفها.
القباب الخفيفة
أوجد المهندسون وسائل أخرى للتخفيف من وزن القباب تتلخص إحدى تلك الوسائل بتجويف أقسام بين جدران القبة من دون أن يؤثر ذلك على البناء. بنى الهندس المعماري العثماني سنان باشا ميجد المحرمة سنة 1555، وفتح في قبته 161 نافذة صغيرة فكان ذلك مثلا رائعا عن بناء القباب الخفيفة. وللتخفيف من ثقل كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان التي بدأت بالتشقق في أوائل القرن الثامن عشر قام المهندسون بربط عدد من الحلقات الحديدة حولها سميت حلقات التوتر tension rings لمنعها من الانهيار.
الأبنية العالية والمتعددة القباب

يعتقد أنه خلال العصور الوسطى التي ساد فيها الحكم الاسلامي بنيت العديد من القباب المختلفة، ومنها القبة المزدوجة حيث تنضم قبة داخلية خفيضة إلى قبة أخرى داخلية خفيضة. اشتهر هذا الانجاز الجديد من هندسة القباب في أواخر القرن الثامن عشر حين تم الانتقال من البناء الثقيل إلى استخدام الأضلاع المعدنية الخفيفة للتقليل من ثقل القبة. كما دعت الحاجة إلى رفع البناء حيث استخدمت قبتان مكان قبة واحدة كما هي الحال في قبة مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة. وتبع ذلك استخدام القبب المتعددة في بناء الكنائس في روسيا.
القبة الجيوديسية
تم تصور تصميم لقبة جديدة في القرن العشرين حيث تطور بناء شبه كروي من سلسلة من المثلثات بدلا من الأقواس. يعرف هذا التصميم بالجيوديسي ويمكن استخدامه لتشكيل أي فراغ مقوس ومغلق. تم تصميم أول قبة جيوديسية على يد والتر باورسفلد، وهو كبير مهندسي شركة كارل زايس للبصريات، وذلك بهدف بناء بلانيتاريوم (وهو جهاز لتبيين عمل المجموعة الشمسية) بعد الحرب العالمية الأولى، ولكن المهندس والمعمار الأمريكي بكمينستر فولر هو الذي صاغ عبارة "القبة الجيوديسية". ومن أشهر أمثلة القبب الجيوديسية مبنى المركبة الفضائية "أرض" في إبكوت، ومبنى عالم والت ديزني، ومبنى المجال الحيوي (البيوسفير) في مونتريال بمقاطعة كيبك، ودفيئة كليماترون في حدائق ميزوري النباتية.
تبنى القباب للتخفيف من الوزن بسبب كتلة الهواء الموجود داخل القبة. وعندما تصبح هذه الكتلة أسخن من الهواء خارج القبة فإنها تحوي على أثر رفعي (كمناطيد الهواء الساخن) 
دفق الهواء الإجمالي في القبة أفضل من دفقه في الأبنية العادية لأنه لا يصادف زوايا داخل القبة.

القباب الشهيرة

البانثيون في روما
البانثيون في روما

بني بانثيون روما سنة 126 ميلادي ككنيسة رومانية كاثوليكية  أراد الإمبراطور هادريان تشييد مبنى عملاق ذو قبة لم يشهد العالم مثلها من قبل. كانت القبة المصنوعة من الآجر والإسمنت ثقيلة جدا، وقد كان امتداد قطرها 48 مترا. وللتخفيف من وزن القبة قام المهندسون فيما بعد بجرف 140 جحرا شبكية الشكل تدعى الكوات الغائرة ضمن خمسة صفوف حول قاعدة القبة. كما حفروا فتحة مركزية في قمة القبة تدعى العين مما قلل من كتلتها وصنع إطلالة من نور النهار يشتهر بها البانثيون. وما تزال قبة البانثيون الشهيرة حتى اليوم أكبر قبة تذهل العالم مصنوعة من الإسمنت.
مسجد محرمة
مسجد محرمة

اكتمل بناء مسجد محرمة سنة 1555 في مدينة اسطنبول التركية ويشتهر بقبته ذات النوافذ. كانت المساجد قبل تبنى من الاسمنت المسلح، ولم تكن لها نوافذ لكي لا يتسبب ذلك في انهيارها. ولكن المهندس سنان الذي بنى مسجد المحرمة اتخذ خطوة جريئة حين قام بحفر 161 نافذة في القبة. كما نصبت أربعة أقواس ضخمة لدعم القبة، ويملأ الفراغ بين الأقواس جدران زجاجية. وما يزال المسجد موجودا اليوم في شكله الأصلي.
أيا صوفيا
اكتمل بناء أيا صوفيا في مدينة اسطنبول التركية سنة 537 ميلادية، ويضم قبة بارتفاع 31 متر، وكانت هذه القبة تعد أضخم فراغ محصور لأكثر من 1000 عام. يعد أيا صوفيا مثالا رائعا عن فن العمارة البيزنطي، وقد كان سابقا كاتدرائية، ولكنه تحول إلى مسجد في القرن الخامس عشر حين فتح العثمانيون المدينة. كان المهندس المعماري أنثينيوس محتارا في كيفية بناء قبة دائرية على قاعدة مربعة.
توصل أخيرا إلى صنع قبة قليلة الارتفاع تستند إلى أعمدة وأقواس مائلة و40 ضلعا متساوية التوزع.
ثم صنعت أربعون نافذة عند قاعدة القبة. ولكن في سنة 559 ميلادية أصيبت المنطقة بزلزال أدى إلى سقوط القبة، فأعيد بناؤها إلى قبة أصغر.
كنيسة القديس بطرس
كنيسة القديس بطرس

اكتمل بناء كنيسة القديس بطرس في مدينة الفاتكان سنة 1626. وبلغ قطر القبة التي بناها مايكل أنجلو 46 مترا، وارتفاعها 151 مترا فوق مستوى الشارع. كان مايكل أنجلو يرغب ببناء قبة أعلى وأكثر روعة من قبة البانثيون. أصبحت هذه القبة أعلى القباب التي تم بناءها، ولتقويتها وضع البناؤون ثلاثة حلقات حديدية توتر كجل سريع، ولكنها أثبتت أنها حلت المشكلة بشكل دائم.
قبة الصخرة
تقع قبة الصخرة، وهي من المواقع المقدسة في جبل هيكل في مدينة القدس، وقد بنيت سنة 691 ميلادية. للمبنى شكل ثماني الأسطح تعلوه قبة مذهبة يمكن رؤيتها من مسافة بعيدة، وقد زينت من الداخل بالسيراميك والموزاييك والنقوش العربية. بنى قبة الصخرة الخليفة الأموي عبد الملك، وقد وضع فيها حجرا مقدسا يحيي ذكرى عروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء أثناء إسرائه ليلا إلى القدس.
كانت القدس هي القبلة الأولى للمسلمين يتوجهون إليها بصلواتهم قبل أن تتحول إلى مكة. ولا تقتصر أهمية قبة الصخرة في القدس على مكانتها كأقدم المباني الاسلامية الباقية، بل تحوي أيضا أقدم محراب، وهو منبر للصلاة موجه نحو مكة.
أوكل البابا يوليوس الثاني المهندس المعماري دوناتو برامانته ببناء قبة القديس بطرس. صمم برامانته مخططا بسيطا يتألف من صليب يوناني ذي أذرع متساوية الأحجام حول قبة مركزية. ولكن برامانته والبابا توفيا أثناء بدايات العمل، فأوكل مايكل أمجلو بالمهمة.
الأسطبة الكبرى في الهند
تعد الأسطبة الكبرى في سانشي بولاية ماديا براديش الهندية إحدى أشكال فن العمارة والثقافة والتراث البوذي. وقد أوعز الإمبراطور أسوكا بتشييد الأسطبات في سانشي في القرن الثالث ق.م. مما جعلها من أقدم المباني الحجرية في الهند. بنى أسوكا ثمانية أسطبات تضم آثار بوذا على التلال المحيطة بسانشي ومنها الأسطبة الكبرى، وهي على شكل عمود وبوابة وحيدي التراص. وتحوي الأسطبة الكبرى قبة آجرية كبيرة ومستديرة تتسطح عند قمتها وتتوجها ثلاث ظلات متراكبة فوق بعضها ضمن درابزون مربع الشكل. تمثل الأسطبة رمزا كونيا يتوافق في اتجاهاته مع الاتجاهات الرئيسة الأربع على البوصلة. 
كاتدرائية القديس باسيل
كاتدرائية القديس باسيل

وهي كاتدرائية فريدة ذات قبة بصلية الشكل ذات ألوان متوهجة بنيت بأمر إيفان الرهيب سنة 1552 لتحيي ذكرى الاستيلاء على قازان من الجيش المغولي. واكتمل بناؤها  سنة 1560، وتقع في الساحة الحمراء في المدينة، والاسم الرسمي للكاتدرائية هو "كاتدرائية شفاعة العذراء عند الخندق" أما اسم باسيل فينسب إلى باسيل المبارك وهو أحد الأولياء البسطاء في موسكو في ذلك الحسن. وتحوي الكاتدرائية تسعة مصليات في داخلها لكل منها قبته الخاصة. يتوج سقف الكاتدرائية نجم ثماني الأشعة يعمل كضوء إرشاد ويشير إلى الطريق نحو القدس، كما يمثل النجم السيدة العذراء.
مبنى الرايخ (الرايخشتاغ)

مبنى الرايخ هو أحد المباني المميزة لمدينة برلين الألمانية ويحوي قبة زجاجية كبيرة. اكتمل بناء القسم الرئيس منه سنة 1849 بعد عشرة سنوات من العمل، وكان يحوي قبة عالية. حدث حريق في المبنى سنة 1933 ضمن ظروف غامضة مما أتلف صالة الاجتماعات والقبة، أعيد بناؤه عدة مرات، وفي سنة 1999 أعاد تصميمه المهندس البريطاني نورمان فوستر بأن صنع قبة من الفولاذ والزجاج تتألف من 24 ضلعا فولاذيا رئيسا، تستند إلى قاعدة سفلى تتألف من حلقات تستدق صعودا لتعطيها شكلها المكور. يمكن بالصعود إلى شرفة المراقبة في أعلى القبة الإطلال على مدينة برلين ضمن مشهد بزاوية 360 درجة. 
مبنى الكابيتول الأمريكي

صمم مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة المهندس توماس أ.والتر. ويعد المبنى مقرا للكونغرس الأمريكي، ويقع على تلة الكابيتول في واشنطن العاصمة. صنعت القبة الحالية من الحديد الصب، وقد تم بناؤها بين سنوات 1755 - 1866، وكانت القبة الأصلية أخفض من القبة الحالية، وقد بنيت من الخشب المغلف بالنحاس، وقد صنعت بحيث يدخل إليها الضوء عبر عين في أعلاها. صمم بناء القبة الحالية بإضافة أعمدة وعضادات وكتفيات ونوافذ وتمثال في أعلاها.
مشروع عدن

نفذ مشروع عدن في منطقة مناجم كورنوول الطينية، وهو أكبر دفيئة في العالم، وقد استغرق العمل فيه عامين ونصف إلى أن افتتح سنة 2001. وهو مكان يمكن للمرء أن يستكشف فيه الطبيعة والنباتات المختلفة. وتضم أكبر قبتين جيوديسيتين بيئتين متميزتين. فالبيئة الأولى هي البيئة المدارية الرطبة وتعرف أيضا بالغابات المطرية وتتميز باحتوائها على بئية الغاية. في القبة الثانية نجد البيئة المعتدلة الدافئة وتتميز بأنواع النباتات من منطقة المتوسط وجنوب إفريقية وكاليفورنيا. ويمكن الشعور بتغير مستويات الرطوبة داخل القبتين، وقد صنعت القبتان من مئات الخلايا اللدائنية المنتفخة ذات الأشكال السداسية والخماسية المدعمة بهياكل فولاذية. 

يحوي مشروع عدن على أكثر من 135.000 نبتة تنتمي إلى حوالي 4500 صنف، كما يوجد شلال مائي في قبة البيئة المدارية الرطبة.
كانت كاتدرائية القديس باسيل الأصلية بيضاء اللون لتماثل مبنى الكرملين ذو الحجارة البيضاء، وكانت قبابها البصلية ذات لون ذهبي بدلا من الألوان المتعددة التي نراها اليوم.

0 comments

إرسال تعليق